فصل: فصل: والجمع بين النفي والإثبات في باب الصفات هو حقيقة التوحيد فيه وذلك لأن التوحيد مصدر وَحَّد يوحد. ولا يمكن صدق حقيقته إلا بنفي وإثبات، لأن الاقتصار على النفي المحض تعطيل محض. والاقتصار على الإثبات المحض لا يمنع المشاركة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فصل‏:‏ والجمع بين النفي والإثبات في باب الصفات هو حقيقة التوحيد فيه وذلك لأن التوحيد مصدر وَحَّد يوحد‏.‏ ولا يمكن صدق حقيقته إلا بنفي وإثبات، لأن الاقتصار على النفي المحض تعطيل محض‏.‏ والاقتصار على الإثبات المحض لا يمنع المشاركة‏.‏

مثال ذلك‏:‏ لو قلت‏:‏ ما زيد بشجاع فقد نفيت عنه صفة الشجاعة وعطلته منها‏.‏

ولو قلت‏:‏ زيد شجاع فقد أثبت له صفة الشجاعة لكن ذلك لا يمنع أن يكون غيره شجاعًا أيضًا‏.‏

ولو قلت‏:‏ لا شجاع إلا زيد فقد أثبت له صفة الشجاعة، ونفيت أن يشاركه غيره فيها فكنت موحدًا له في صفة الشجاعة‏.‏

إذًا لا يمكن توحيد أحد بشيء إلا بالجمع بين النفي والإثبات‏.‏

واعلم أن الصفات الثبوتية التي وصف الله بها نفسه كلها صفات كمال، والغالب فيها التفصيل، لأنه كلما كثر الإخبار عنها وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما لم يكن معلومًا من قبل، ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر من الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه‏.‏

وأما الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه فكلها صفات نقص ولا تليق به كالعجز، والتعب، والظلم، ومماثلة المخلوقين، والغالب فيها الإجمال لأن ذلك أبلغ في تعظيم الموصوف وأكمل في التنزيه فإن تفصيلها لغير سبب يقتضيه فيه سخرية وتنقص في الموصوف‏.‏

ألا ترى أنك لو مدحت ملكًا فقلت له‏:‏ أنت كريم، شجاع محنك، قوي الحكم، قاهر لأعدائك إلى غير ذلك من صفات المدح لكان هذا من أعظم الثناء عليه، وكان فيه من زيادة مدحه وإظهار محاسنه ما يجعله محبوبًا محترمًا لأنك فصلت في الإثبات‏.‏

ولو قلت‏:‏ أنت ملك لا يساميك أحد من ملوك الدنيا في عصرك لكان ذلك مدحًا بالغًا لأنك أجملت في النفي‏.‏

ولو قلت‏:‏ أنت ملك غير بخيل، ولا جبان، ولا فقير، ولا بقال، ولا كناس ولا بيطار، ولا حجام، وما أشبه ذلك من التفصيل في نفي العيوب التي لا تليق به لعُد ذلك استهزاءً به وتنقصًا لحقه‏.‏

وقد يأتي الإجمال في أسماء الله تعالى‏:‏ وصفاته الثبوتية كقوله تعالى‏:‏ في الأسماء‏:‏ ‏{‏ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 180‏]‏ وقوله في الصفات‏:‏ ‏{‏ولله المثل الأعلى‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 60‏]‏‏.‏ أي الوصف الأعلى ‏.‏

وقد يأتي التفصيل في الصفات المنفية لأسباب منها‏:‏

1‏.‏ 1‏.‏ نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون المفترون كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 91‏]‏‏.‏

2‏.‏ 2‏.‏ دفع توهم نقص في كماله كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 38‏]‏‏.‏

3‏.‏ 3‏.‏ بيان عموم كماله في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏ ‏{‏ولم يكن له كفوًا أحد‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 4‏]‏ ‏.‏

أمثلة التفصيل في الإثبات والإجمال في النفي الأمثلة على التفصيل في الإثبات كثيرة جدًا فمنها‏:‏

قوله تعالى‏:‏ في سورة الحشر الآية‏:‏ 22‏:‏ ‏{‏هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 22‏]‏ ‏.‏ إلى آخر السورة فقد تضمنت هذه الآيات أكثر من خمسة عشر اسمًا، وكل اسم منها قد تضمن صفة، أو صفتين، أو أكثر‏.‏

وكقوله تعالى‏:‏ في سورة الحج الآية‏:‏ 59‏:‏ ‏{‏ليدخلنهم مدخلًا يرضونه وإن الله لعليم حليم‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 59‏]‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إن الله بالناس لرؤوف رحيم‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 65‏]‏‏.‏ فهذه سبع آيات متوالية ختمت كل آية منها باسمين من أسماء الله عز وجل وكل اسم منها متضمن لصفة، أو صفتين، أو أكثر‏.‏

وأما أمثلة الإجمال في النفي فمنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هل تعلم له سميًا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 65‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولم يكن له كفوًا أحد‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 4‏]‏‏.‏